العهدة العمريه

                         العهدة العمريه                              
القدس الشريف

يحظى القدس الشريف بعناية المسلمين على نحو عنايتهم بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وذلك منذ أن أبرم أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وثيقته المسماة بـ العهدة العمرية.

فقد حاصر المسلمون إيلياء - بيت المقدس - أربعة أشهر في قتال وصبر شديدين، ولَما رأى أهل إيلياء صبْر المسلمين وجَلَدهم علموا أنهم لا طاقة لهم على هذا الحصار؛ فأشاروا على البطريرك أن يتفاهم معهم، فأجابهم إلى ذلك، فعرَض عليهم أبو عبيدة بن الجراحإحدى ثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو القتال، فرضُوا بالجِزية والخضوع للمسلمين، مشترطين أن يكون الذي يتسلَّم المدينة المقدسة هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فأرسل أبو عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين عمر بما اتَّفق عليه الطرفان، فرحَّب عمر بحقْن الدماء، وسافر إلى بيت المقدس، ودخله سنة 15هـ - 636م، وكان في استقباله "بطريرك المدينة صفرونيوس" وكبار الأساقفة، وبعد أن تحدَّثوا في شروط التسليم، انتهوا إلى إقرار تلك الوثيقة التي اعتُبِرت من الآثار الخالدة الدالَّة على عظمة تسامُح المسلمين في التاريخ، والتي عُرِفت باسم العهدة العمرية.
ونظرًا لمكانة هذه الوثيقة في الحضارة الإسلامية، ولأنها دالة أبلغ الدلالة على مدى تسامح الفتوحات الإسلامية والفاتحين المسلمين، نُورد نصَّها الذي تكاد تُجمع عليه المصادر التاريخية الوثيقة:
بنود العهدة العمرية:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصُلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر مِلَّتها؛ أنه لا تُسكَن كنائسهم، ولا تُهدم ولا يُنتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضام أحد منهم، ولا يَسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرَج منهم، فإنه آمِنٌ على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم، فهو آمِنٌ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يَسير بنفسه وماله مع الروم، (ويُخلي بِيَعهم وصُلُبهم)، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصُلُبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعَد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجَع إلى أهله، فإنه لا يُؤخذ منهم شيء حتى يُحصَد حصادُهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذِمة رسوله، وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجِزية.
شهود العهدة العمرية
ذيل في العهدة العمرية أسماء من شهدوا عليها من قادة المسلمين مثل:
خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان. وكتَب وحضر سنة خمس عشرة هـ.
وتدل العهدة العمرية على أصالة التسامح الإسلامي من جانبٍ، والمكانة التي تتبوَّأها القدس من جانب آخرَ، ولعل التاريخ لا يذكر إلى جانب صفحة هذه الوثيقة صفحة أخرى من تسامح الأقوياء المنتصرين مع المحاصرين المستسلمين على النحو الذي ترد عليه بنود هذه الوثيقة.
ولعل أيَّة دراسة نقدية لبنود هذه الوثيقة تكشِف عن مدى التسامح الإسلامي الذي لا نظير له في تاريخ الحضارات.
وقد زار القدس في القرن التاسع عشر "برنار الحكيم"، وذكر أن المسلمين والمسيحيين النصارى في القدس على تفاهُم، وأن الأمن مستتبٌّ فيها، وأضاف قائلاً: وإذا سافرت من بلد إلى بلد ومات جملي أو حماري، وتركت أمْتِعتي مكانها، وذهبت لاكتراء دابة من البلدة المجاورة، سأجد كل شيء على حاله لم تَمَسَّه يدٌ.
فالوثيقة العمرية لم تقم على مجرد أصول إسلامية عامة في العلاقات الدولية، بل قامت على أصول إسلامية خاصة ومحددة، تتصل ببيت المقدس، وعلى أصول مرتكزة على كتاب الله وسُنة رسوله وسلوك المسلمين من بعده.

تعليقات