البطل الشيشاني منصور أشورما


القائد منصور اشورما
هوالقائدالمجاهد الشيشاني الشيخ منصور أشورما أو (أشورما) كما لَقَّبَهُ الروس، واسمه الحقيقي محمد، جاهد الروس طوال تسع سنوات، ثم أُسر وأُودع السجن في شليسبرغ، وهناك قُتل.
نشأة منصور أشورما
وُلِدَ منصور أشورما عام (1161هـ= 1748م) في قرية آلدي الواقعة بالقرب من نهر سنج ببلاد الشيشان، في موقع قريب من جروزني اليوم، وكان الابن الثاني في العائلة، وعمل في الصغر مهنة النبي –صلى الله عليه وسلم- فقد رعى الغنم في صغره.
أمَّا عن نشأته فقد اعتنى به والده منذ صغره؛ فحفظ القرآن في داغستان، وكان منتسبًا إلى الطريقة النقشبندية، وتلقَّى علومه الدينية في بخارى، فكان يحفظ القرآن الكريم كلَّه عن ظهر قلب، ويحفظ آلافًا من الأحاديث النبوية الشريفة، وصار له نفوذٌ وتأثيرٌ لا يُجَارى بين الشعوب الشركسية القوقازية المسلمة، وكان يُحَرِّض الناس جهارًا على الجهاد ضد الروس يدًا واحدة؛ مُبَيِّنًا لهم أهمية الاتِّحَادِ؛ ونجح أيما نجاح في إثارة الحقد على الروس.
جهاد منصور أشورما
في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي كانت الشيشان وداغستان والشركس وباقي الأراضي بين البحر الأسود وبحر قزوين تُداعب مخيلة القيصر الروسي إيفان الثالث، فاتَّفق مع قبائل الكوزاك الموالية للدولة الروسية الوليدة على الغزو التدريجي لأراضي المسلمين في إقليم القوقاز؛ وأدَّى الكوزاك المهمَّة بنجاح، فأقاموا أوَّل مخفر أماميٍّ على نهر التيريك، وصار هذا المخفر مدينة جروزني العاصمة الشيشانية فيما بعدُ، وخلال حكم إيفان الرابع أو إيفان الرهيب في منتصف القرن السادس عشر قام الكوزاك ببناء مجموعة من الحصون في شمال داغستان والشيشان؛ عاقدين تحالفات مع بعض شعوب الإقليم، ومع بداية القرن الثامن عشر كانت آلاف الأُسَر الكوزاكية قد تجمَّعت في الإقليم، وامتزجت مع القبائل المحلية، وتزاوجوا منهم، وإن احتفظوا بالمسيحية دينًا وبالروسية لغة.
شرع الإمام منصور أشورما بعد عودته إلى وطنه من داغستان، وبعد أن تلقَّى العلوم الشرعية، وبعد أن أتمَّ حفظ القرآن في تنبيه الناس إلى الخطر المحدق بهم؛ وهو تَوَسُّع الروس في البلاد القوقازية، فكان يدعو إلى الجهاد والنضال من أجل توحيد القوقاز، وكان على اتصال بالعثمانيين، الذين كانوا يحثُّونه على بذل أقصى ما يُمكن من جهد لإثارة النقمة على الروس، فدأب الشيخ منصور على التجوال في مختلف أنحاء القوقاز ليخطب في الناس، ويعظهم بترك أمور الدنيا، والتعلُّق بأهداب الفضيلة، وكان زاهدًا متقشِّفًا.
وفي عام (1199هـ= 1785م) نادى بالجهاد ضدَّ الروس، واستثار الحمية الإسلامية في نفوس القوقازيين، وكان ذلك بداية حرب جديدة، لم يألفها الروس من قبل؛ وهي حرب الجهاد المقدس، وسرعان ما تجاوبت مع الشيخ منصور شعوب داغستان، والقبارطاي، والنوغاي، بالإضافة إلى الشيشان، وتجمَّع لديه جيش ضخم، استطاع أن يُلْحِقَ بالروس هزائم متكرِّرَة في شمالي القوقاز.
ورغم أن كاترين الإمبراطورة الروسية (1729- 1796م) لم تكترث في بادئ الأمر بالشيخ منصور وحركته في بلاد الشيشان، فإن هزيمة الكولونيل بيري جذبت اهتمام كاترين لهذا الخطر، الذي ظهر فجأة في شمال القوقاز، وتمكَّن الشيشان وحلفاؤهم الداغستان من قتل الكولونيل بيري ومعه سبعة ضباط آخرين إضافة إلى ستمائة جندي، وغنموا الأسلحة التي كانت بحوزتهم، ومن ضمنها اثنا عشر مدفعًا.
وبعد توالى انتصارات الشيخ منصور في بلاد الشيشان والداغستان ازداد تعلُّق الشراكس بالشيخ، وتدافعوا للانضمام إلى حركته وجهاده، واستطاع شعب القبارطاي الشركسي الانفصال مؤقَّتًا عن الروس، ثم حاول الشيخ منصور الاستيلاء على حصن قيزيل يار، وعندها أرسلت كاترين جيشًا ضخمًا، بقيادة الكولونيل ناجل، استطاع أن يهزم الشيخ في معركة تتار توب في 30 أكتوبر (1785م= 1199هـ) على نهر التيريك، إلَّا أنها كانت هزيمة مؤقَّتة؛ لأن الشيخ منصور انسحب من المعركة عندما شعر بأنه سيخسرها نتيجة التفوُّق العددي الروسي، وعاد إلى بلاده الشيشان، ولم يُحاول الروس اللحاق به داخل بلاده، واقتصر نشاطه بعدها على غارات مُباغتة وسريعة على القلاع الروسية في القبارطاي.
وعندما بدأت بوادر الحرب تلوح بين الروس والعثمانيين عام (1787م =1201هـ)، استنجد الأتراك بالشيخ منصور فلبَّى النداء، وظهر فجأة بين الشراكسة في الغرب، الذين التفُّوا حوله وقاموا بمهاجمة القوات الروسية من الخلف، وفي الذكرى السنوية لمعركة تتار توب هاجم الشيخ ومعه الشراكسة ثلاثة أفواج من فوازق الدون وأبادوهم، وفي سبتمبر عام (1787م= 1201هـ) هاجم الروس قلعة أنابا على ساحل البحر الأسود، فقام الشيخ منصور بالهجوم على الروس من الخلف في منطقة أوبون، وقتل ثلاثة آلاف جندي روسي في هذه المعركة، وعلى إثر هذه الهزيمة عُزل الجنرال توكالي، وَحَلَّ محله بيبكوف، وأيقن الروس أن احتلال أنابا لن يتمَّ إلَّا بهزيمة الشيخ منصور أوَّلًا.
وكان الأتراك قد أرسلوا حسين باشا (بطال باشا) للدفاع عن أنابا، وكان على رأس جيش قوامه ثلاثون ألف رجل مزوَّدين بالمدافع والذخيرة والمؤن، وفور وصوله إلى أنابا قام بطال باشا بمعاملة الشيخ منصور ومتطوِّعيه من الشيشان والشراكسة بجفاء وعجرفة عندما قَدِمُوا للترحيب به، ونتيجة لهذه المعاملة غير اللائقة غادر الشيخ منصور ومتطوِّعوه أنابا بعد أن أرسلوا شكوى إلى السلطان العثماني ضدَّ تصرُّفات بطال باشا، وخوفًا من العقوبة.
ونتيجة لإلحاح السلطان العثماني والشراكسة، عاد الشيخ منصور إلى أنابا للدفاع عنها، وفشل الجنرال بيبكوف في احتلال أنابا، وتمَّ استبداله بالجنرال بيلمان، وبتنسيق مع الأتراك خرج الشيخ منصور من حصن أنابا ومعه مقاتلوه لمهاجمة قوات الجنرال جيرمانيين أحد مساعدي بيلمان، وجرت معركة كوبيروسكوي، والتي اضطر الشيخ إلى الانسحاب منها؛ لأن القوات العثمانية لم تُرْسِل التعزيزات التي كان قد اتُّفِقَ على إرسالها أثناء المعركة، ولكن عاد الشيخ منصور ثانية إلى أرض المعركة، واضطر الجنرال جيرمانيين إلى الانسحاب، وبعد مسلسل الفشل الروسي في احتلال أنابا قامت الإدارة الروسية بتعيين الجنرال غوردوفيتش لقتال العثمانيين والشيخ منصور، وأرسلت له تعزيزات كثيرة من السلاح والجنود، وبعد وصولها قام غوردوفيتش بالهجوم على أنابا في 21 يونيو (1791م= 1205هـ)، وتمكَّنَت القوات الروسية من دخولها بعد أن فاوض قائد الأتراك الروسَ، وترك أنابا مع أتباعه -ومعه جميع الأموال التي أرسلها الخليفة لدعم الدفاع عن المدينة- وانضمَّ إلى الروس، ولكن المدينة صمدت، وبعد دفاعِ أسبوعين قبلوا الاستسلام بالرغم من احتجاج الشيخ منصور ومتطوِّعيه وحثِّهم القائد العثماني الجديد على المقاومة لآخر رجل.
وفاة منصور أشورما
خلال المعارك الدائرة بينه وبين الروس سقط الشيخ منصور جريحًا، فأسره الروس، ونقلوه إلى الإمبراطورة كاترينا، التي رغبت في رؤية هذا الشيشاني، الذي كان مصدر إزعاج دائم لها منذ عام (1199هـ= 1785م)، ثم أُودع السجن في شليسبرغ، وهناك قُتل، بعد أن قتل الجندي المسئول عن حراسته، وبذلك سقط الشيخ منصور الشيشاني شهيدًا في (رمضان 1208 هـ= 13 أبريل 1794م) بعد تسع سنوات من الجهاد المتواصل.


لقي الإمام الشهيد منصور أشورما ربَّه شهيدًا بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد، وبعد أن دفع الناس إلى الجهاد في سبيل الله تسع سنوات كاملة؛ أوقع في الروس الكثير من النكبات.


المصدر

تعليقات